التربية على الثبات
• قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾[إبراهيم: 27].
• الثَّباتُ: مصدر يدلُّ على الدَّوام والاستقرار والملازمة والمواظبة على الأمور الماديَّة والمعنويَّة، فيُوصَف الفَرْدُ بالثَّبات على الشيء فِكْرًا وتصوُّرًا وقَوْلًا وفِعْلًا وسُلُوكًا وتعامُلًا.
• ورد مفهُومُ الثَّبات في نصوص الوَحْي بتصريفاتٍ مُتعدِّدةٍ وصِيَغٍ متنوِّعةٍ؛ لبيان أهميَّته وأثرِه فِكْرًا وسُلُوكًا والتي تجلَّتْ في الدلالات التالية:
١- في معرض الفَضْل والامتنان؛ قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27].
٢- بصيغة الأمر والإيجاب؛ قال تعالى: ﴿ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ [الأنفال: 45].٣- في صورة المدح والثناء؛ قال تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ﴾ [البقرة: 265].
٤- في مقام التأسي والاقتداء؛ قال تعالى: ﴿ كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120].
٥- بمشاهد التضرُّع والابتهال؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147].
* تتنوَّع مجالات الثبات في حياة الأفراد والمجتمعات، ومن صورها:١- الثبات على العقيدة والمبدأ: عن معاوية رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((لا يَزالُ مِنْ أُمَّتي أُمَّةٌ قائِمةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، ولا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ على ذَلِكَ))؛ رواه البخاري ومسلم.
٢- الثبات على العبادة الواجبة والمستحبَّة: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أحَبُّ إلى الله؟ قال: ((أدْوَمُها وإنْ قَلَّ))، وقال: ((اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمالِ مَا تُطِيقُونَ))؛ رواه البخاري.
٣- الثبات على الأخلاق والفضائل: عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: سألْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثمَّ سألتُه فأعطاني، ثمَّ سألتُه فأعطاني، ثمَّ قال: ((يا حكيمُ، إنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلْوةٌ، فمن أخَذه بسخاوة نَفْسٍ بُورِكَ له فيه، ومَنْ أخَذَهُ بإشْرافِ نَفْسٍ لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكُلُ ولا يَشْبَع، اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ من اليَدِ السُّفْلى))، قال حكيم: فقلتُ: يا رسول الله، والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لا أرْزَأُ- يعني: لا أطْلُب- أحدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حتَّى أُفارِقَ الدُّنْيا؛ رواه البخاري.
٤- الثبات على الأوْراد والأذكار: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ، وَآناءَ النَّهَارِ))؛ رواه البخاري ومسلم.
٥- الثبات على التضرُّع والدُّعاء: عن أمِّ سَلَمة رضي الله عنها أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُكثِرُ في دعائه أن يقول: ((اللَّهُمَّ مُقَلِّب القُلُوب، ثَبِّت قَلْبي على دِينِكَ))؛ رواه أحمد والترمذي.
٦- الثبات في العزيمة والإرادة: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: ((المؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وأحَبُّ إلى الله من المؤمنِ الضَّعِيف، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احرِص على ما يَنفعُكَ، واستَعِنْ بالله ولا تَعجِز ...))؛ رواه مسلم.
٧- الثبات في الملاحم والفتن: عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: ((...فإنَّ من ورائكم أيَّامًا، الصَّبْرُ فيهنَّ مثل القَبْض على الجَمْر، للعامِلِ فيهنَّ مثل أجْرِ خمسين رجُلًا يعملون مثل عَمَلِكم))؛ رواه الترمذي وأبو داود.
تتجلَّى أهمية الثبات على القِيَم والمبادئ في الموجبات التالية:
١- الاستجابة للأمر الرباني؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
٢- الوصية النبوية في المخالطة والمعاشرة بحُسْنِ التخَلُّق وجميل التعلُّق: عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... فمَنْ أحَبَّ أن يُزَحْزَحَ عن النار، ويدخلَ الجنة، فَلْتَأْتِه مَنيَّتُه وهو يُؤمِن بالله واليوم الآخر، ولْيَأْتِ إلى الناس الذي يُحِبُّ أن يُؤْتَى إليه))؛ رواه مسلم.
٣- الطبيعة البشرية في التحوُّل والتقلُّب: عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِر أن يقول: ((يا مُقلِّب القُلُوب، ثبِّتْ قَلْبي على دِينِكَ))، فقلْتُ: يا رسول الله، آمنَّا بِكَ وبما جئْتَ به، فهل تخاف علينا؟ قال: ((نعم، إنَّ القُلُوبَ بين أُصْبعَينِ من أصابع الله، يُقلِّبها كيف يشاء))؛ رواه الترمذي.
٤- كثرة الفتن والمحن: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((بادِرُوا بالأعمال فِتَنًا كقِطَعِ اللَّيل المظْلِم، يُصبِح الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمْسِي كافِرًا، أو يُمِسي مُؤمِنًا، ويُصْبِحُ كافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ من الدُّنْيا))؛ رواه مسلم.
٥- اختلال الموازين واضطراب المعايير في آخر الزمان: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تأتي على الناسِ سَنواتٌ خدَّاعاتٌ يُصَدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصادقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائنُ ويُخَوَّنُ فيها الأمِينُ، ويَنطقُ فيهم الرُّوَيبِضةُ))، قيل: يا رسول الله، وما الرُّوَيبِضة؟ قال: ((الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ في أمْرِ العامَّة))؛ رواه أحمد وابن ماجه.
٦- التوازن والتكامُل في الحياة: عن أبي جحيفة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ لربِّكَ عليكَ حَقًّا، ولنفسِكَ عليكَ حَقًّا، ولأهْلِكَ عَليكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حقَّه))؛ رواه البخاري.
٧- تنوُّع العوارض النفسيَّة والاجتماعية: عن أنس قال: كنْتُ أَخدِمُ رسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم، فكنْتُ أسمَعُه كثيرًا يقول: ((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ من الهَمِّ والحزن، والعَجْز والكَسَل، والبُخْل والجُبْن، وضَلَع الدَّين، وغَلَبة الرجال))؛ رواه البخاري.
٨- مواجهة الغُرْبة على الحقِّ وأتباعه: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعُودُ كما بدأ غَريبًا، فطُوبَى للغُرَباء))؛ رواه مسلم.
٩- الإصابة في النظر، والصدق في القول، والإحسان في العمل، والسلامة في الصدر: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: ((رَبِّ أعنِّي، ولا تُعِنْ عليَّ، وانصُرْني ولا تنصُرْ عليَّ، وامكُر لي، ولا تَمكُر عليَّ، واهْدِني ويسِّرْ هُداي إليَّ، وانْصُرْني على مَنْ بَغَى عليَّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْني لَكَ شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا، لك مِطواعًا، إليك مُخْبِتًا أوَّاهًا مُنيبًا، ربِّ تقبَّل توبتي، واغسِل حَوْبتي، وأجِبْ دَعْوتي، وثبِّت حُجَّتي، وأهْدِ قلبي، وسدِّد لساني، واسْلُلْ سَخِيمةَ قَلْبي))؛ رواه الترمذي وأبو داود.
• ومضة: قال الحسن البصري: السُّنة بين الغالي والجافي، فاصبِروا عليها رحِمكم الله؛ فإن أهل السنة كانوا أقلَّ الناس فيما مضى، وهم أقلُّ الناس فيما بقِي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبَروا على سُنتهم حتى لَقُوا ربَّهم، فكذلك إن شاء الله فكُونوا