"دَرْعَا" رجعْتُ وكادَ الشوقُ يَبريني عشرونَ عاماً ولم تخمدْ براكيني
رجعْتُ فوقَ جناحِ الشوقِ تملؤُني عيناكِ سحراً، ووجهُ الفجرِ يُغريني
إذا النوافذُ يا درعا مغلَّقَةٌ والناسُ تَعزِقُ بين الشوكِ والطينِ
إذا النجومُ نجومُ الودِّ مُطفأةٌ فلا أرى غيرَ مكروبٍ ومحزونِ
أينَ الوداعةُ في تلكِ الوجوهِ وما عهدْتُه فيك من لطفٍ ومن لينِ؟
وأينَ راحةُ جاري إذْ تعانقُني وأينَ بسمتُهُ جاءَتْ تُحيِّيني!؟
والياسمينُ على جدرانِ شرفتِنا وباقةُ الفلِّ، أصواتُ الحساسينِ
وأينَ قهوتُكِ السمراءُ تنفحُنا ذاك الأريجَ وتصفو في الفناجينِ
وأينَ فيكِ رغيفُ الخبزِ تُنضِجُهُ تلكَ الأكفُّ ويُهدَى للمساكينِ؟
أينَ البيادرُ يا درعا ونضرتهُا ونسمةُ الليلِ تُشجيني وتُحييني
أينَ الكلامُ الذي كنَّا نفتِّقُهُ على "الطريقِ" كأنسامِ الرياحينِ..
تبدَّلَ الحالُ يا درعا فلسْتُ أرى إلا العصافيرَ في جوفِ الثعابينِ
حتَّى الشوارعُ قد غابَتْ نضارتُها حتَّى الشجيراتُ في تلكَ الميادينِ
وليسَ إلا بناياتٌ مسلَّحةٌ أمامَها نظراتٌ كالسكاكينِ
يمرُّ بي صاحبٌ قد كنْتُ أعرفُهُ وكانَ يعرفُني يوماً ويُطريني
كأنَّما لم نَبِتْ تحتَ" العريشِ" معاً ولا وقفْنا على شلالِ "زيزونِ"
ولا أكلْنَا خشاشَ الأرضِ من شَغَبٍ ولا تفجَّرَ صَدرانا "بتشرينِ"
درعا تصرَّمَ ذاكَ العهدُ وا أسفي تبدلَّتْ بعدَنا كلُّ الموازينِ
إنِّي سأرجعُ للصحراءِ معتذراً إلى النجومِ التي في الليلِ تَهديني
إلى البداوةِ والقطعانُ سارحِةٌ إلى النخيلِ إلى تلكَ العراجينِ
إلى الهناءةِ حيثُ الناسُ في رغدٍ كأنَّ أخلاقَهم من مسكِ دارينِ
منقوووووووووول