لم يبالغ "شوقي" حينما جعلها كذلك، وما قرَّر إلَّا ما يُثبته الواقع، ويبرهنه الزمان، وتحكيه الأجيال سلوكًا وأخلاقًا.
إن قيامك أيتها الأمُّ بما أوكله الله إليك من مسؤولية أمام بنيك، هو واجب قبل أن يكون مطلبًا، فهل تعقلين معنى الواجب والفرض والضرورة والمسؤولية؟!
كم من أمٍّ فاضلة أثبتت جدارتها، وأعلتْ صرح بنيها، فبارك الله فيها وفيهم، وأثمرتْ أطيب الثمرات، ونفع الله بالأصل والفرع، وانتشر الفضل وعمَّ الخير، وأصبح لدى الأبناء آثار وطلَّاب ومستفيدون! أليس مثل هذه المنظومة بركة جهود أمٍّ، واجتهاد فاضلة، أنتجتْ جيلًا طيِّب الأعراق؟
هذه الأمُّ المدْرسة، راعية الجيل ومستحقة الاسم، ومعروفة الصفة، لا يضُرُّها السهام المسمومة، ولا تؤثر فيها الدعوات الهدَّامة؛ بل تبقى حاملةً مسؤوليتها على أيِّ حال، لا تبدِّلها الأحوال، ولا تفتُّ في عضدها الظروف، فالهدف واضح، والمسار مرسوم، والغاية سامية.
هذه هي الأمُّ التي رفع الله شأنها، وأجزَل أجرها، وجعل الجنة تحت أقدامها، لا تتنكَّب الطريق بدعوى الضَّعف، ولا تتخلَّى عن الواجب بحجَّة الانشغال؛ بل تقوم بكل ما ينفع ويرفع حتى مع وجود الزوج، وما للزوج ومسؤولية الأُمِّ!
وكم من امرأة خرَّجت زوجها من مدرستها تلميذًا لها وزميلًا لأبنائها، فلله درُّك يا أسمى مدْرسة ويا كلَّ المجتمع.
تعالوا ننظر إلى تلك الأخرى، مَن لا تهتمُّ حتى بنفسها، ينحصر واجبها أو جُلُّه في المطبخ، وربما قصَّرت حتى في هذا المجال.
كم من يتيمٍ أصبح رائدًا بفضل الأولى، وكم من ولدٍ كان أضيعَ من اليتيم بسبب الثانية؛ ولهذا نرى شوقي قد وُفِّق في تقرير الحالتين الأم المدْرسة والأم الضائعة المضيعة:
ليس اليتيمُ مَنِ انتهى أَبَواهُ مِن هَمِّ الحياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا
إنَّ اليَتيمَ هو الذي تَلقى لَهُ أُمًّا تَخَلَّت أو أَبًا مَشغولا
ألا يُعدُّ هذا من أكبر الإجرام؛ ضياع الولد بين التخلِّي والانشغال!
أيَّتها الأم، لا يعفيك من مسؤوليتك تجاه ولدك وجود زوجك، بحجة أنه هو الأب ورب البيت والأمر إليه...إلخ، كما أن غياب الزوج لسفرٍ أو لعملٍ أو حتى موتٍ، لا يُعدُّ حجة لك تحتجِّين بها على الضَّعف، أو عدم القدرة أو ما أشبَه.
نحن لا نعفي الأب من مسؤوليته، لكن موضوعنا الآن هو أنتِ، فأنتِ المدرسة إن وعيت، والمجتمع إن عقلت، والمربِّية إن استقمْتِ، وصانعة الريادة إن صدقْتِ، والسلام.
#منقوووول