حوار بين الحب و المودة و الرحمة
في يوم من الأيام قرر كل من الطرفين: الحب من جهة و المودة
...
و الرحمة من جهة أخرى أن يتوصلوا لمن هو الأهم و الأقوى في
العلاقة الزوجية. أهو الحب الذي يسعى إليه كل المتزوجين و
يستميتون إليه ، أم هي المودة و الرحمة التي يؤمن معظم الناس
أنها زاد الفقراء المعدمين؟ و كان هذا الحوار:
الحب: لعمري إن هذا الجدال لعقيم منذ بدايته. لا جرم أن الحب
هو الأمضى و الأبقى من أي شئ آخر في هذا الكون. و الدليل أن
ما من أحد على هذه البسيطة إلا ويوقن أشد اليقين بأن الحب لابد
منه لنجاح أي علاقة زوجية.
المودة و الرحمة: إنما إلإيمان العميق بشئ لا يدل بالضرورة على صدقه و صحته.
الحب: (يعيد التفكير) صحيح، و لكن التجارب و الوقائع أثببت صحة تلك النظرية.
المودة و الرحمة: على العكس تماما. إنما أثبت الواقع بطلانها.
الحب: و كيف ذاك؟
المودة و الرحمة : ألم يروي أحدهم مرة قصة حبيبين عشقا كلاهما
الآخر عشقا لا تعرف له نهاية و لا حدا و تزوجا و ما هما إلا تمام
الشهرين حتى انفصلا انفصالا لا رجعة و لا تراجع بعده؟
الحب: سمعت هذه القصص مرارا و تكرارا. و لكن هذا لايلغي من
أهميتي و لا يقلل من شأني، فربما أساء أحدهما على الآخر و شب
العناد حصنا مانعا بينهما فدب الخلاف و حل الشقاق و تلاشيت أن
ا من قلبيهما و كأني لم أكن من قبل.
المودة و الرحمة: هذا ما حدث و يحدث بالضبط. أحسنت أيها الحب.
الحب: ألم أقل لكما أني سأنتصر. إنما هي مسألة وقت فحسب و .....
المودة و الرحمة: (تقاطعانه) و لكننا لم نقل إنك انتصرت ، و إما قلنا إنك أحسنت في تحليل الأمر.
الحب: ( متعجبا) ألا يعني هذا انتصاري عليكم.
المودة و الرحمة: بالطبع لا. نحن لم ننه حججنا بعد.
الحب: ( خاضعا) تفضلا إذا استكملا الكلام.
المودة و الرحمة: أردنا أن نسالك سؤالا أيها الحب استقيناه من حديثك؟
الحب: كلي آذان صاغية.
المودة الرحمة: برأيك أيها الحب لماذا انتهت العلاقة بين الحبيبين
بمجرد تلاشي الحب إذا كان الحب حصنا منيعا كما ترى أنت؟
الحب: (مطرقا برأسه و شعر بالهزيمة و الانكسار أمام من ظن أنهم
أعداءه) و الله إني لأجهل الإجابة على هذا السؤال جهلي بيوم الميعاد.
المودة و الرحمة: (يطيبان خاطره) ما من أحد في هذا الكون إلا و
يجهل شيئا ما على الأقل أيها الحب فلا تبتأس.
الحب: ( يبتسم منشرحا).
المودة و الرحمة: لأنه لم يكن بينهما أهم عنصرين لنجاح أي زواج
الحب: و ما هما يا ترى؟
المودة و الرحمة: المودة و الرحمة.
الحب: ( مغاضبا) كشفت اللعبة أيتها اللئيمتان. تريدان أن تنسبا
السعادة الزوجية إليكما أليس كذلك؟ و لهذ اخترتما نفسيكما! اطمئنا
فلعبتكما مكشوفة خيوطها و أهدافها!
المودة و الرحمة: لم تصب هذه المرة يا حب. إنما اخترنا هذين العنصرين لأنهما الذي وردا في القرآن الكريم حين ذكر موضوع الزوج في سورة الروم : " و من آيته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا و جعل بينكم مودة و رحمة."
الحب: ( خجلا) أعتذر لسوء الظن بكما. لكن أمعقول هذا ذكرت
المودة و الرحمة في العلاقة الزوجية و لم يذكر الحب قط و لو في آية أخرى؟
المودة و الرحمة: لا، فلا حاجة لذلك؟
الحب: سامحكما الله. ألهذه الدرجة تستهينان بقدري؟
المودة و الرحمة : إنك لا تتوقف عن إصدار الأحكام المسبقة أيها الحب. هلا استمعت إلينا ثم حكت علينا بعد ذلك بما شئت و كيف شئت؟
الحب: (آسفا) حبا و كرامة أيها الصديقان.
المودة و الرحمة: ( بهدوء) أيها الحب عندما ذكرنا أنه لم تستدع
الحاجة لذكرك في القرآن كضرورة للسعادة الزوجية ، فإننا لم ننف
مكانتك أو ننكرها . و إنما عنينا أيها الأخ الكريم أن نقول أننا نحن
منبعك و مصدرك و إن لم تكن موجود بين الزوجين أسهمنا في
تكوينك إسهاما كما يخلق الله الجنين في بطن أمه خلقا.
الحب: و كيف ذاك؟
المودة و الرحمة : ألم تسمع قط عن شئ يدعى الحب بعد الزواج؟
الحب: بلى سمعت عنه. و لكني لم أصدق هذا الحيث قط.
المودة و الرحمة: و لك العذر لنك لم تفهم او تعي يبب نشوء الحب
هذا بعد الزواج؟
الحب: ربما يكون هذا هو السبب.
المودة و الرحمة : بل هذا هو السبب.
الحب: ( مستسلما) فليكن ما تريدا. هيا وضحا لي ما تعنيان. كيف
تتكون مشاعر الحب بعد الزواج و قد انعدمت قبله؟ كيف؟
المودة و الرحمة: ( يضحكان) لقد قلنا الإجابة توا أيها الحب لو كنت
مصغيا . إنمهما المودة و الرحمة.
الحب: ( مغتاظا) مرة أخرى المودة و الحب. ( يستعيد رباطة
جأشه) فليكن إذا طالما ذكرا في القرآن! ( بفضول) ما قصتهما يا
ترا هذان اللذان انتصرا علي دون أن أدري أو يدري الناس؟
المودة و الرحمة : المودة و الرحمة أيها الصديق إنما تعنيان
التسماح و الإحسان و العدل و التذلل لمن تحب أو لا تحب. فإن
كانا متواجدان بين المحبين زاد و نما بينهما الحب بل و دام كذلك.
و إن كان ميتا أو منعدما أحيوه و أوجدوه من حيث لم يوجد. أما ـــ
و كما هو الحال في معظم الأحيان للأسف ـــ إذا وجد الحب و
انعدمت المودة و الرحمة زال الحب و انتُزِع من القلوب انتزاعا لا
أمل في استعادته قط.
الحب: و لكن لماذا المودة و الرحمة كل هذه الجبروت و القوة على الحب؟
المودة و الرحمة : لأن المودة و الرحمة أفعال تجمع معان جميلة و
راقية شتى كما أسلفنا: التسامح و الإحسان و العدل ، بينما لا يتعدى
الحب كونه مشاعر و إن تأججت هذه المشاعر و اشتعلت فهي لا
تتعدى في نهاية المطاف أن تكون مشاعر محلها القلب.
الحب: أعرف أني قد أرهقتكما من أمركما عسرا ، ولكن هلا
أوضحتما لي أكثر و جزاكما الله خيرا؟
المودة و الرحمة : حبا و كرامة أيها الصديق الكريم. ( تومئان
رأسيهما مفكريتين ثم تردفان) حسنا، سنضرب لك مثالا: تخيل مثلا
أيتزوج رجل امرأة لا يحبها و لا تحبه، فتحسن هي التبعل: تطيعه
و تخدمه و تستجيب له إذا دعاها و ترحمه و تشكر له تعبه و
تمدحه ، هل من شك لديك في أنه لا شك واقع في حبها متمسك
بها؟ ! ( يومئ الحب برأسه أن لا). و بالمثل هل تراها إذا أحسن
إليها زوجها و أكرمها و راعى مشاعرها إلا محبته شاءت أم أبت؟ ( يومئ الحب برأسه أن نعم).
المودة و الرحمة: أتعرف لم أيها الحب؟
الحب: مما استوعبه عقلي منكما ، أعتقد أن السبب يكمن في أن
المودة و الرحمة أفعال و الحب مشاعر كما قلتما . و الفطرة
الإنسانية تؤثر فيها الأفعال أكثر مما تفعل المشاعر و الأحاسيس
التى لا ترى و لا تُلمس و هي بذلك أقوى و أشد تأثيرا. و بالتالي
يسهمان هما في إيجاد الحب بينما يعجز هو تمام العجز عن ذلك.
المودة و الرحمة: ( يبتسمان مغتبطين) ما شاء الله تبارك الله ، ما
كل هذا الشرح المستفيض و التحليل الدقيق أحسنت أيها الحب.
الحب: (يحمر خجلا) أكرمكما الله.
المودة و الرحمة: و لتقريب الصورة أكثر نروي لك هذا الموقف من
سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يستشيره في
طلاق امرأته، فقال له عمر: لا تفعل، فقال: ولكني لا أحبها. فقال له
عمر: ويحك ألم تبني البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية وأين
التذمم؟ فأما الرعاية فهي التي تكون بين الرحم والتكافل بين أهل
البيت وأداء الحقوق والواجبات. و أما التذمم فهو التحرج من أن
يصبح الرجل مصدرًا لتفريق الشمل وتقويض البيت وشقاء الأولاد.
الحب: كلام جميل. و لكن لي اعتراض أخير إذا سمحتم لي و اتسع
لي صدركم؟
المودة و الرحمة: تفضل أيها الحب.
الحب: في القرآن الكريم ورد الحب الذي تقللان من شأنه في العلاقة
بين المؤمنين و ربهم إذ قال جل و على:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (المائدة 54).
فهل تكون العلاقة بين البشر أقدس من العلاقة بينهم و بين خالقهم و هو ما أجده في القياس بديع؟!
المودة و الرحمة : بالطبع لا أيها الحب. فالمقارنة و القياس كما قلت
هنا بديعان، فأنى لك أن تقارن بين علاقة البشر ببعضهم و التي لا
يرويها الحب و قد لا يكون أساسها في معظم الأحيان كما اوردنا و
بين علاقة الله بخلقه و التي بينيت في الأصل على الحب و كان
الحب عمادها. فالبشر أيها الحب فطوروا على حب الله فطروا و
أنى لمن فطر على شئ أن يحتاج لمن يدعمه أو يستند إليه. و أما
محبة الله لنا فقد بدأت قبل خلقنا و هي دائمة إلى يوم القيامة و ألا
يكفي دليلا على ذلك أمُرُ الله الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام
تقديسا و توقيرا له. و مع هذا أيها الحب فإن هذا لا يعني أن العلاقة
بيننا و بين الله ليس فيها أي تودد أو رحمة فالله يتودد إلينا و يرحمنا.
الحب: ( متعجبا) أما الرحمة فنعم ، و لكن كيف يتودد الله إلى عباده
و هم المحتاجون إليه؟
المودة و الرحمة: ألم تسمع الحديث القدسي الذي يخاطب الله فيه
عباده فيقول: قــال صلى الله عليه و سلـــم :
" ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول ،
فيقول :
أنا الملك ، أنا الملك ، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟
من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ؟ فلا
يزال كذلك حتى يضئ الفجر" .
و عن أنس بن مالك رضي الله
عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
"قال الله :
يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني ، غفرت لك
و لا أبالي. يا ابن آدم ، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم
لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لأتيتك بقرابها مغفرة " . و غيرها كثير
لا يتسع المجال لذكرها كلها.
الحب: أكرمكم الله تعالى و شكر لكم و جعل حياتنا كلها ملؤها المودة
و الرحمة و الحب.
المودة و الرحمة: اللهم آمين.
ما رأيكم في هذا الحوار؟
راق لي