سقطت الشمس وراء الجبل و كأنها لن تعود للإشراق ابدا , كان اعضاء المخيم قد نصبوا معسكرهم بعد الزوال , لقد كان المخيم عبارة عن اربعة شبان تراوحت اعمارهم بين سن السابعة عشر و الواحد و العشرون, و هذه ليلتهم الثانية خارج الديار, لقد حملوا معهم ما لذ و طاب من مأكولات معلبة و لم يجلبوا معهم الماء الكثير فلقد وضعوا النهر في حساباتهم.
بالاستناد الى الليلة البارحة , سوف تكون هذه الليلة من امتع الليالي , لم يشكك احد من الاربعة في هذا الاستنتاج .
يتواجد اعضاء المخيم في غابة كثيفة الشجر , وعرة في مسالكها , من صفاتها كثرة الضباب , و سكونها الممزوج بصوت الرياح .
زحف القمر حتى وصل الى قلب السماء ثم اخذ ينجلي تحت السنة الضباب الرمادي ,
اجتمع الرفاق حول النار بعدما تناولوا العشاء المعلب , ثم اخذوا يتجاذبون اطراف الحديث و كأنهم يدفعون الوقت , سأل احدهم :
- شباب .. كم الساعة ؟
اجابه الآخر :
نقترب من الحادية عشر ليلا انها الحادة عشرة الا ربع .
قرر الجميع الخلود للنوم عندما يلامس عقرب الساعة الحادية عشر , فغدا يوم حافل يجب التحضير له بالنوم و الراحة .
في هذه المدة القصيرة اجريت قرعة الحراسة , و لقد وقعت على صغيرهم , تظاهر بالشجاعة معبرا عن ذلك بوجهه , لكن هناك شعور يشبه الخوف او هو الخوف اصلا قد تسلل لقلب الحارس الاول , سوف يحرس لساعتين ثم يخلد للنوم .
نام الثلاثة بسرعة فلقد ارهقهم اليوم السابق كثيرا , و هاهو الحارس المتظار بالشجاعة يداعب الجمر بعود صغير و هو يغني بصوت فيه حجرشة , لقد نال الخوف منه , انه الآن تحت تأثير موجة الرعب , اهدابه تصعد و تنزل ببطئ و كأنه مخدر , سكنت حركته تماما ثم قرر الوقوف لعل النعاس يتركه و شأنه , تحرك قليلا نحو حقيبته لأخراج قنينة الماء
- آه لقد نفذ الماء
و كان النهر لا يبعد كثيرا فحمل المصباح اليدوي و قارورة الماء , و اتجه الى النهر و قد تدفق الادرينالين في جسمه و حتى اطرافه
كان يلتفت في الدقيقة لكل الاتجاهات و كأنه مصاب بالصرع , قبل ان يصل للنهر ادرك انه قد اقترف خطأ , فهو لم يخبر احد من اصحابه انه ذاهب لجلب الماء , فهم الآن بدون ادنى حراسة .
- هل اعود ؟- كيف اعود و انا اسمع صوت الخرير ؟ - سوف املأ القارورة ثم اعود بسرعة .
بعد ملأ القارورة عاد مهرولا . و حين وصل لم يجد احد من اصحابه , شك في انه قد اضاع الطريق في هذا الجو الضبابي , فأخذ ينادي , بعدما عجز عن ايجادهم , لكن عبثا يحاول , فلا رد حتى الآن سوى رد الصدى .
انتبه قليلا فوجد انه يقف في نفس المكان الذي خيموا فيه في الليله السابقة , و كان دليل ذلك اسمه و اسم اصحابه المنقوش على شجرة الدردار , و كان هو من قام بالنقش لكن هذا قي الليلة الماضية .
بعد مدة قصيرة كان الخوف قد زال تماما كردة فعل نفسية و صار الاسلوب في التعامل مع الوضع مختلف كثيرا , فلقد صار الولد يجري بدون وجهة محددة حتى ادميت قدماه , واصل الجري بين الاشجار حتى تعب و سقط ارضا , و اخذ يبكي من شدة غموض الموقف و هوله , لكن هذا النحيب لم يدم طويلا فلقد سمع صوت انين يبعده بضع امتار فقرر ان يسير نحوه لكن بهدوء بهدوء ممزوج بأنفس تخرج من اسفل صدره المرهق , الصوت وراء هذه الشجرة , و ما ان اطل وراء الشجرة حتى صاء بأعلى صوته و سقط مغشيا عليه و من شدة ما رأى فتح عينة الذابلة و اعادها الى مارأت لكنه تمالك نفسه هذه المرة و اكتفى بالعض على شفتيه , لقد كان صديقه الاكبر في رحله التخييم منزوع الاحشاء , مبتور الاطراف , و قد نزعت عينه اليسرى من جذورها , لقد كان المنظر بشعا حقا , تفوه بكلمة واحدة و هي << اهرب >>
هاهو الصديق الاكبر في رحلة التخييم يوقع على عقد وفاته بأنفاس اخيرة و رعشات بسيطة كات دليلا على توديعه الحياة .
تحرك الصغير للخلف قليلا و بخطوات غير واثقة و انطلق يجري لكنه انهار من شدة تعبه
و تربع على الارض و هو يتخيل ماذا سوف يحدث له , من شدة الموقف شك في انه ربما يكون في احداث كابوس , بقي كذلك حتى سمع صوتا مثل صوت قطرات الماء , كانت تبعده قليلا فزحف اليها , و ما ان وصل اليها حتى ادرك انه دم و ليس ماء كما تخيل اليه
حرك راسه المتعرق بحذر نحو الاعلى ليرى فضاعة الصورة , من تبقا من اصحابه , معلقان في اعلى الشجرة , و لقد بتر الرأس لكلاهما كما بترت الاعضاء , و كان واضح وضوح الشمس انهما ميتان , لقد كان هذا كافيا ليسقطه ارضا و يدخله في نوم لعله الملاذ الاخير للهرب من هذا الواقع .
هاهي ذي شمسنا , لقد عادت للاشراق من جديد و هاهي ذي تلقي بشعاعها الدافئ على ارض الغابة التي حملت في طياتها مأساة عاشها شاب بكل احداثها و كان ذنبه انه شعر بالعطش.