ما إن يكاد يذكر اسم المسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة، إلا وذكر الشيخ رائد صلاح، الملقب بـ"شيخ الأقصى"، فقد كرس حياته لخدمة الأقصى والدفاع عنه حتى وهو خلف قضبان السجن، كانت حركاته تقض مضجع الاحتلال الصهيوني، حتى أنه احتار طويلا في شأن التعامل معه، فمرة حاول اغتياله لتصفيته والانتهاء منه، إلا أن مشيئة الله عز وجل قضت أن يعيش عمرا أطول، ومرة تزج به في السجن، ومرة تمنعه من دخول المسجد الأقصى، حتى منعته أخيرا، في السابع من أكتوبر من دخول مدينة القدس لمدة ثلاثين يوما.
ولد الشيخ صلاح سنة 1951م بمدينة أم الفحم شمال فلسطين المحتلة لأب وأم فلسطينيين رفضا أن يهجرا أرضهما للمحتل عقب نكبة 48، وفضلا أن يورثا أرضهما لأبنائهما وأحفادهما.
ولكونه واحداً من "فلسطينيي 48"، أي الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ سنة 1948، فإنه يحمل جواز سفر إسرائيلي، وهذا ما أتاح له إمكانية أوفر للتنقّل في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس، وكذلك زيارة بلدان أوروبية عدّة لحضور تجمّعات الشتات الفلسطيني ومؤتمرات التضامن مع الشعب الفلسطيني ومسألة القدس.
أنهى تعليمه في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية بمدارس المدينة، ثم حصل على الشهادة الجامعية من كلية الشريعة في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة.
وقد مهدت البيئة الدينية الملتزمة التي تربى فيها منذ نعومة أظافره إلى الانخراط في العمل الإسلامي خلال مراحل مبكرة من حياته، فهو يعتبر من مؤسسي الحركة الإسلامية الأوائل داخل إسرائيل بداية السبعينيات، وأحد رموزها إلى حين انشقاقها نهاية التسعينيات.
بعد تخرجه من كلية الشريعة أُدخل السجن سنة 1981 بتهمة الارتباط مع منظمة محظورة وهي "أسرة الجهاد"، ثم بعد الخروج من السجن فرض عليه الاحتلال الصهيوني الإقامة الجبرية لفترة طويلة ، حيث كان خلالها ممنوعا من مغادرة المدينة طوال الوقت وممنوعا من مغادرة بيته خلال الليل ، وكان ملزما بإثبات وجوده مرة أو مرتين كل يوم في مركز شرطة.
حاول صلاح الالتحاق بسلك التدريس كمعلم في مدارس أم الفحم، إلا أن طلبه قوبل بالرفض من قبل وزارة المعارف الإسرائيلية، فعمل في المهن الحرة، ثم تزوج في عام 1985، وهو الآن أب لسبعة أبناء.
وفي العام الموالي بدأ في العمل كمحرر في مجلة "الصراط" الشهرية الإسلامية، التي كانت تصدرها الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر (الأراضي المحتلة عام 48) حتى نهاية عام 1988.
وقد كان مطلع عام 1989 محطة انتقالية في مساره السياسي، فقد خاض انتخابات رئاسة بلدية أم الفحم عن الحركة الإسلامية، ونجح في تلك الانتخابات بنسبة تفوق 70% وأصبح رئيساً للبلدية في سن 31 عاماً, ثم خاض الانتخابات للمرة الثانية عام 1993 والثالثة عالم 1993 بنفس النسبة، ليقدم استقالته بعدها بثمان سنوات حتى يتيح الفرصة لغيره في الحركة الإسلامية. وشغل الشيخ منصب نائب رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية ونائب رئيس لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب منذ انتخابه لرئاسة بلدية أم الفحم حتى استقالته. كما انتخب عام 1996 رئيسا للحركة الإسلامية، ثم أعيد انتخابه عام 2001, وكان كذلك رئيسا لمؤسسة الإغاثة الإنسانية.
عمد الاحتلال الصهيوني إلى الاعتداء على المقابر والمساجد وبقية المقدسات الإسلامية في فلسطين 48، مما جعل الشيخ صلاح يضع حماية هذه المقدسات على قمة أولوياته، فمنذ سنة 1996، بدأ نشاطه يتعاظم في إعمار المسجد الأقصى وبقية المقدسات الإسلامية، إلى أن تمكن من الكشف عن حفر الاحتلال لنفق جديد أسفل المسجد الأقصى، وهو يقول عن هذا الحدث: " يومها أيقنت أنه لا بد أن أبذل كل ما أملك لإعمار وإحياء المسجد الأقصى المبارك ودفع كل خطر قد يتهدده".
وفي غشت سنة 2000، انتخب رئيسا لجمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية التي ساهمت بشكل فاعل في الدفاع عن المساجد، وفضح محاولات الاحتلال المتكررة لتنفيذ الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى المبارك، بدعوى البحث عن آثار لهيكل سليمان.
وبالفعل تمكن الشيخ صلاح من خلال المؤسسات التي يرأسها في إعمار المصلى المرواني وفتح بواباته العملاقة، وتنظيف ساحات المسجد الأقصى وإضاءتها، وإقامة وحدات مراحيض ووضوء في باب حطة والأسباط وفيصل والمجلس.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل عمد إلى مد المسجد الأقصى بآلاف الزوار والمصلين بشكل شبه يومي، وذلك من خلال مؤسسة البيارق التابعة للحركة الإسلامية، وعمل أيضا على إحياء دروس المصاطب التاريخية، وأبرزها "درس الثلاثاء" الذي يحضره اليوم نحو خمسة آلاف مسلم أسبوعيا في الأقصى، وساهم في إنشاء مشروع صندوق طفل الأقصى، الذي يهتم برعاية نحو 16 ألف طفل، وتنظيم المسابقة العالمية تحت عنوان "بيت المقدس في خطر"، وذلك في شهر رمضان، والتي عادة ما يشارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص من كل أرجاء العالم، إضافة إلى مسابقة الأقصى العلمية الثقافية.
ولم يغفل الشيخ صلاح عن الدور الإعلامي في قضية القدس، فقام بإنتاج العديد من أفلام الوثائقية والكتب عن الأقصى، مثل شريط "المرابطون" و"الأقصى المبارك تحت الحصار" وكتاب "دليل أولى القبلتين"، إلى جانب التغطية الإعلامية اليومية المباشرة لكل الأحداث المتعلقة بالأقصى والقدس.
وسنويا تنظم الحركة الإسلامية بزعامة الشيخ صلاح مهرجانا عالميا تغطيه عشرات القنوات الفضائية العربية والأجنبية في مدينة أم الفحم تحت عنوان "الأقصى في خطر"، ويحضره نحو ستين ألف فلسطيني.
ولفضحه ورفضه للمخططات والاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى والقدس عامة، جعلت سلطات الاحتلال من الشيخ صلاح "عدوها الأول" فيما يخص المقدسات الإسلامية داخل الخط الأخضر. ففي سنة 2000م تعرض لمحاولة اغتيال في الأيام الأولى من انتفاضة الأقصى، حيث أصيب بعيار ناري في رأسه أطلقه عليه أحد جنود الاحتلال، إلا أنه استعاد عافيته وعاد لممارسة مهامه.
واشتد بعدها التضييق على الشيخ صلاح، وتلفيق التهم إليه، وتم التحقيق معه ومنعه من السفر للخارج وإلقاء المحاضرات.
وفي سنة 2003 تم اعتقال الشيخ رائد صلاح بمجموعة من التهم التي كانت قد وجهت إليه، من قبيل القيام بتبييض الأموال لحساب حركة حماس، وأفرج عنه بعدها بسنتين.
وبعد الإفراج عنه واصل نشاطه الجماهيري وتحركاته الشعبية المناهضة للاحتلال. كما اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي لفترات قصيرة أكثر من مرّة بعد ذلك، وما تزال الشرطة الإسرائيلية تفتح أمام القضاء ملفات جديدة ضد الشيخ صلاح، وتحاول من خلالها النيل من "شيخ الأقصى"، الذي يحظى باحترام كبير على المستوى الشعبي والرسمي في العالم العربي والإسلامي.
آسية لوزي -بتصرف-