وقتك في رمضان
الوقت هو الحياة والعمر، وعمر الإنسان ليس إلا هذه الثواني والدقائق التي يعيشها لحظة بلحظة، وكل ساعة تمضي من العمر تقربنا من الدار الآخرة.
أقمنا بها يوماً ويوماً وثالثاً ويوم له يوم الترحل خامس
والوقت مع أنه أثمن ما عني الإنسان بحفظه، فهو في المقابل أسهل ما يضيع عليه، ونحن وإن كنا لا نسمح لغيرنا أن يسرق أموالنا، لكننا -ومع الأسف الشديد- قد نسمح وربما نبارك لهم سرقة أوقاتنا وأعمارنا وهذه هي المصيبة الكبرى؛ لأن المال قد يعوض، أما الوقت فلا يمكن تعويض لحظة منه بكل ذهب الدنيا، ومن ثم كان المغبون والخاسر حقيقة هو من فرط في أوقاته وضيعها، يقول صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري.
وإذا كان الوقت بهذه القيمة والأهمية، فإن قيمته تعظم وأهميته تكبر في مواسم الخير، والأزمنة الفاضلة، وأوقات النفحات والبركات، ومن أعظمها شهر رمضان المبارك، حيث السوق قائمة، والأرباح متوافرة، والأجور مضاعفة، فحريٌ بمن كان يضيع وقته في غيره أن يعيد النظر في استغلاله، وحريٌ بمن كان يحرص على وقته في غيره أن يضاعف حرصه فيه.
ومما يؤسف له ما نجده في هذا الشهر الكريم من مظاهر تضييع الأوقات وقَتْل لها من قِبَلِ كثير من النساء؛ وذلك بقضاء الليالي في اللهو والسهر والجلوس أمام الشاشات، والخروج إلى الأسواق والمجالس والمنتديات، وقضاء النهار في النوم والطبخ، وكأن رمضان أضحى عندهن شهر النوم والطبخ نهاراً، والسهر واللهو ليلاً، وربما مر على المرأة رمضان تلو رمضان دون أن يحدث أي أثر على سلوكها، وزيادة الأعمال التي تقربها إلى الله، وتدارك أخطائها وتقصيرها في حق ربها، ما يحتم على الأخت المسلمة -التي ترجو الله واليوم الآخر- أن تراجع نفسها وتقف منها موقف الجد والحزم لتستثمر كل دقيقة، بل كل لحظة من لحظات هذا الموسم فيما يقربها من ربها ومولاها، فإن أيام الشهر قصيرة وساعاته محدودة سرعان ما تنقضي، وسراعاً ما تذهب.
والبعض منا قد يدرك أهمية الوقت وقيمته ولكن هذا الإدراك -مع الأسف في كثير من الأحيان- لا يعدو أن يكون إدراكاً معرفيًّا ذهنيًّا، لا يتجاوز أثره إلى تصرفاته وسلوكه وتعامله، ومن ثم فإننا بحاجة إلى أن نتجاوز هذه المعرفة النظرية إلى خطوات عملية نعيشها في حياتنا اليومية، تدفعنا إلى حسن التعامل مع أوقاتنا.
وإليك أيتها الأخت المسلمة بعض الخطوات العملية، التي تفيد في اغتنام الوقت في هذا الشهر الكريم:
- أول خطوة هي التخطيط المسبق لكل ما تريدين إنجازه في هذا الشهر المبارك، وذلك بوضع أهداف واضحة ومحددة، وعمل جدول للأعمال وأوقاتها، والقدر المطلوب لإنجازها، وتنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ والراحة، والعمل والفراغ، وليكن فيما تسعين إلى تحقيقه من الأهداف في هذا الشهر المحافظة على الصلاة في أول وقتها، وختم القرآن أكثر من مرة، وصلاة التراويح، والقيام بجزء من القرآن، وتخصيص جزء من المال للصدقة، وتفطير الصائمين، وما لم تكن هناك أهداف واضحة ومحددة، فلن تستطيعي اغتنام الوقت على الوجه الأمثل، وسترين أن جزءاً كبيراً من وقتك يضيع سدى؛ لأنك لم تضعي هدفاً لشغل هذا الوقت.
- ومن الأمور المهمة أيضاً تحديد الأولويات، وما هي الأعمال التي ينبغي أن تقدَّم؟ والأعمال التي يمكن أن تؤخر، فليس القصد أن تقضي المرأة وقتها في ما هو مفيد، بل عليها أن تقضيه فيما هو أولى أن يقضى به. وقد ذكر أئمتنا أن من مكائد الشيطان أن يُشْغَل الإنسان بالعمل المفضول عن العمل الفاضل.
- وعلى الأخت المسلمة أن تتخلص -ما أمكنها ذلك- من مضيعات الأوقات، كالاسترسال في الحديث عبر الهاتف لغير حاجة، والخروج المتكرر للأسواق والمجمعات، والقيام بالزيارات التي لا داعي لها، والجلوس أمام التلفاز الساعات الطوال، ولا بد من تعويد الآخرين على احترام أوقاتنا ومواعيدنا، فالاتصال قبل الزيارة، والزيارة لها وقت مخصص ومحدد.
- كما ينبغي أن تتعامل الأخت مع الوقت بواقعية، فستفيد من الوقت المتاح؛ لأن بعض الأخوات ربما جنح بها الحماس إلى المثالية والخيال الزائد من غير تقدير صحيح لما يمكن فعله، لتفاجأ بعد ذلك بعدم وجود الوقت الكافي لإنجاز ما خططت له وفكرت فيه، فتصاب بردة فعل عكسية وإحباط، والذي ينبغي أن نقدر الأوقات المتاحة التي نملك أن نستفيد منها بشكل واقعي.
- ومن الأمور المفيدة في هذا الصدد اختيار الوقت المناسب للعمل الذي تنوين القيام به، بأن تجعلي لكل عمل الوقتَ الذي يلائمه، فالأعمال التي لا تحتاج إلى مزيد تركيز واهتمام، يمكن للمرأة أن تؤديها في أي وقت، فأوقات الطبخ مثلاً يكون من المفيد الاشتغال فيها بالذكر والتسبيح والتهليل، وسماع بعض المواد الجيدة الإذاعية أو المسجلة مثلاً، والأعمال التي تحتاج إلى تفريغ القلب وإعمال الفكر وهدوء البال من صلاة وقراءة ومراجعة وحفظ، وما أشبه ذلك، تخصص لها أوقات تناسبها، وهكذا.
- وعليك أختي الفاضلة أن تحرصي على المبادرة بإنجاز العمل قبل أن يحال بينك وبينه، ولتحذري التسويف والتأجيل فإنه من أعظم الآفات، قال بعضهم: احذروا (سوف) فإنها من جند إبليس، وقيل ل عمر بن عبد العزيز وقد أعياه الإرهاق من كثرة العمل، أخر هذا العمل، فقال: أعياني عمل يوم واحد، فكيف إذا اجتمع علي عمل يومين؟
واستعيني في ذلك كله بالله ولا تعجزي، وعليك بصحبة أهل الهمم العالية، وعضي بالنواجذ على الذين يقدرون قيمة الوقت، ويعرفون كيف يستثمرونه الاستثمار المرجو والمشروع، وتذكري أن الوقت إذا لم يُقضَ بالخير قُضي بضده ولا بد، وأن كل وقتٍ جديد له واجب جديد.
فاستغلي وقتك، وبادري عمرك بما يعود عليك بالنفع في الدنيا والآخرة، وتملئين به سجل حسناتك وصحيفة أعمالك، قبل أن يطوى الشهر، وينتهي موسم البذر، فتندمين حين لا ينفع الندم، ولات ساعة مندم.