البصمة اللسانية
تطورت مناهج البحث اللغوي مع ظهور اللسانيات الحديثة، وتداخل علم اللغة مع علوم ومجالات أوسع مما كان عليه الحال في الماضي، فدخلت اللغة مجال علم النفس وتحليل سلوكات الأشخاص من خلال ألفاظهم وطريقة نطقهم، ودخلت مجال علم الاجتماع والتخطيط اللغوي وتسيير الشؤون اللغوية في مجالات الحياة، ودخلت مجال الحاسوب مع اللسانيات التطبيقية والبرامج الذكية، ودخلت في مجال علم الدلالة والسيميائيات وغيرها من المجالات الأخرى العديدة، بما في ذلك ما أصبح يعرف اليوم بالبصمة اللسانية أو البصمة اللغوية.
فما هي هذه البصمة اللسانية؟ وما فائدتها؟
معلوم أن الأفراد يتمايزون فيما بينهم من خلال شعب جلدية على اليدين والأصابع خصوصاً، لأن هذه الشعب تختلف من شخص لآخر ولا يمكن أن تتوافق بين شخصين في كل الأحوال، ومن هنا جاءت تسمية البصمة اللسانية من خلال إسقاط هذا الحكم على نطق الإنسان وكلامه من خلال مستويين:
- المستوى الأول أن لكل شخص مخرجاً صوتياً ينتج أصواتاً لغوية مختلفة عن غيره اختلافات متباعدة ومتقاربة بحسب العلاقة البيولوجية بين الأفراد، لكنها تظل مختلفة بما يجعل التمايز بارزاً.
- والمستوى الثاني من خلال استعمال الألفاظ والعبارات فكل شخص يعبر بمعجم لغوي خاص به ناتج عن تجربته اللغوية وممارسته الثقافية والمحيطية التفاعلية من جهة ومن خلال أسلوبه التعبيري والتركيبي والفكري الذي يظهر من خلال الممارسة الكلامية. فهذا ما يجعل كل شخص يتميز بجهاز لغوي خاص به تأثر فيه عوامل فسيولوجية وعصبية ونفسية واجتماعية تشكل منه نسقاً منفرداً يجعله مميزاً عن غيره أو يجعل الجماعة مميزة عن عالمها وهذا يظهر من خلال التحليل الصوتي واللغوي للُغة المستعمل للُّغة أو المستعملين.
وقد استفادت من هذا المجال - البصمة اللسانية - الشرطة مثلما استفادت من البصمة الأصبعية من خلال تحديد هوية المشتبه بهم اعتماداً على تحليل التسجيل الصوتي أو الأسلوب والجهاز المفاهيمي للعبارات المكتوبة إذا اقتضى ذلك في إثبات أو نفي الأحداث التي تنسبها جهة معينة لنفسها أو إثباتها ونفيها عندما تنسب لها.
فالبصمة اللسانية تبقى سمة مميزة للفرد والجماعة وهو مجال لا زال يحتاج إلى كثير من الأبحاث العلمية والأكاديمية ليصبح تخصصاً كاملاً يدرس استناداً إلى مناهج وضوابط محددة.
كما أن علم اللغة الحديث أو اللسانيات فكت قيد اللغة وجعلت منها مادة ومنطلقاً لتفسير عدة ظواهر في مختلف مناحي الحياة.