قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
فصلاح الأمة وعزها بتعلم القرآن وتدبره واتباعه، وإن المصلح هو الذي يتمسك بالقرآن ويدعو الناس إلى التمسك به، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾.
فمن أعظم علامات المصلحين أنهم يُعلِّقون الناس بكتاب ربهم، فهو الهادي لكل خير، والمحذر من كل شر، كما قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
وإن من المحزن حقاً أن كثيراً من القادة والوجهاء والأغنياء يجهلون كتاب الله، قد يقرؤونه ولكنهم لا يعرفون معانيه وأحكامه، ويجهلون هداياته، وإن من أسباب ذلك أن كثيراً من العلماء والدعاة والخطباء والمحاضرين والكُتاب والمحللين والإعلاميين لا يربطون الناس بكتاب ربهم، وهذا من هجر القرآن الكريم، وعدم معرفة قدره وتأثيره وبركته، قال الله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
القرآن الكريم فيه كل ما يصلح الأمة في عقيدتها وعبادتها وأخلاقها ومعاملاتها، وفيه حل جميع مشكلاتها الداخلية والخارجية، وفيه الرد على كل مبتدع ومبطل، وهو السبيل الوحيد لعز المسلمين.
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ أي: فيه عزكم وشرفكم وقوتكم، ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾؟!
وإن من أعظم أسباب نصر الله لأصحاب نبيه أنهم كانوا من أهل القرآن، فقد تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم والسنة النبوية المبينة لكتاب الله، كما قال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، وكانوا لا يُؤمِّرون على الجيوش والولايات غالبا إلا الصحابة، روى ابن أبي شيبة في المصنَّف (36268) بإسناد صحيح عن التابعي الكبير كُليب بن شهاب الجرمي قال: كنا في المغازي لا يُؤمَّر علينا إلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فينبغي للمسلمين اليوم أن لا يولوا الولايات والمناصب إلا من يعرف معاني القرآن وأحكامه، ومن كان لا يعرف القرآن من أهل الحل والعقد فليبادر العلماء والدعاة بتعليمه كتاب الله، فحقٌ على العلماء والدعاة أن يجتهدوا في تعليم جميع المسلمين كتاب ربهم، وليقيموا الدروس والدورات واللقاءات والندوات لتفسير القرآن وتدبر آياته، وليكن القرآن الكريم أعظم ما يدرسه الطلاب في المدارس والمعاهد والجامعات، فقد أمرنا الله جميعا بتدبر كتابه فقال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
فلا عذر لأحد في ترك تعلم القرآن وتدبره بقدر الاستطاعة، ومن أعرض عن تدبر القرآن واتباعه فقد قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾.
وإن من علامات المنافقين عدم تدبر القرآن كما قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾؟!