نبوءة النبي
زمان يغربل فيه الناس غربلة
لم يَتْرُك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينصلحُ به أمرُ ديننا أو دنيانا إلا وبلَّغنا به عن ربِّ العالمين، لم يترك صلى الله عليه وسلم حتى تلك الأحداثَ التي ستأتي في قادمِ الأيام والأزمان إلا وقد أسَّس لكيفيَّة التعامل معها بما يُجنِّبُنا فسادَ ديننا و دنيانا، ولن يَسعَك عند معايشة تلك الأحداث المعاصرة إلا أن تُكرِّر بقلبِك بكل يقين وفخر: صدَقَ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فكأنَّه حيٌّ بيننا ينظر إلى كمِّ الفتن التي تُحيطُ بنا من كل جانب، ويرشدُنا للطريق القويمِ الذي به ننجو من كلِّ أمواج الفتن التي تَمُوجُ بالعالم من حولنا، إرشادَ المبلِّغ بحقٍّ ونصحٍ عن ربِّ العالمين.
فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يُوشِكُ أن يأتيَ زمانٌ يُغرْبَلُ فيه الناس غربلةً، وتبقى حُثالةٌ من الناس، قد مرجت عهودُهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا - وشبَّك بين أصابعه))، قالوا: كيف بنا يا رسول الله؟ قال: ((تأخذون ما تعرفون، وتَدَعون ما تُنكِرون، وتُقبِلون على أمر خاصَّتكم، وتَذَرون أمرَ عامَّتِكم))؛ صحيح الجامع: 8185.
والحُثالة هي: الرديء من كلِّ شيء، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن هؤلاء سيَجمَعون أحطَّ خِصال البشر التي لا تنافي فقط الشرعَ؛ بل تنافي أيضًا العُرفَ والرجولة والإنسانيَّة؛ فهم أقوامٌ لا عهدَ لهم ولا أمانة؛ يذهبُ الواحد فيهم بدينه وعهدِه وأمانته، فلا يبيتُ إلا بالانسلاخِ والانحلال والغَدْر.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال فتنًا كقِطَعِ الليل المظلم؛ يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا؛ يبيعُ دينَه بعَرَض من الدنيا))؛ صحيح مسلم: 118.
توضيحٌ جليٌّ لسبب سقوطِ هؤلاء المتساقطِين الذين مرَجَت عهودُهم وأماناتهم، وهو بيعُهم الدِّينَ بعَرَض من الدنيا، وإن كان الساقطُ منهم الغادر بنفسه على علم بأن هذا العرَضَ زائلٌ لا محالة، وانتفاعَه منه قليلٌ غير مستمرٍّ، لا يستحقُّ أن يبيعَ أمامَه دينَه وعهدَه وأمانتَه؛ لكنها الفتنُ أعاذنا اللهُ وإيَّاكم منها!
لذا؛ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّ أمتَه على المبادرة إلى الخير، فقال: ((بادروا بالأعمال...))؛ أي: بادروا بالأعمالِ الصالحة؛ فعند وقوع الفتن يشتدُّ الأمر، وينشغلُ غالبُ الناس بها وبمتابعتها، واللَّهث وراء أخبارها؛ فكان على كلِّ أريبٍ بصير أن يبادرَ ويَشْغلَ وقته بالأعمال الصالحة التي تُقرِّبُه إلى الله؛ لعلَّها تُنجيه من الفتن عند وقوعِها.
وقدَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحلَّ عند وقوع الأمر، فقال: ((تأخذون ما تعرفون، وتَدَعون ما تُنكرون، وتُقْبِلون على أمر خاصَّتِكم، وتَذَرون أمرَ عامَّتِكم))؛ أي: تَحرِصون على ما أمركم الله ورسولُه فتفعلونه، وتجتنبون ما نهى عنه الله ورسوله فتتركونه، وتُقبِلون على أنفسكم ومن تَلُون أمرَهم خاصة، فتتعاهدونهم بالالتزامِ بالأمر واجتناب النهي، وتَدَعون أمرَ العامة، فقد نزلت الفتن وأصبح معظمُهم ممن وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: ((مَرَجتْ عهودُهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا - وشبَّك بين أصابعه)) وهذا مما بدت بوادرُه، نسأل الله العافية وحسن الخاتمة.