التأمل النافع
أشخاصٌ عديدون ستُقابلهم يا ولدي في حياتك، وستجد اختلافاتٍ واضحةً، وتشابُهًا وتقارُبًا بين الآخرين، مشاعرُ متفاوتة وأفكار متباينة ستُكوِّنها عن الآخرين في حياتك، قد تشعُر بالانبهار الزائد، وتعظيم البعض، ورؤيتهم في صورةٍ مثاليَّةٍ، وربما تميل إلى النقد الشديد، والتقليل من شأن البعض الآخر، وتكون نَظْرتُك لهم سلبيَّةً.
تأمَّلْ رؤيتك للآخرين، وتذكَّرْ أن الكمال لله وحده؛ فلا تُبالِغْ يا ولدي في إعجابك الزائد بالآخرين، فحَتْمًا هناك سلبيات لديهم، ولكن سَتَرها الله عنك، واحذَرْ تصنيفَ الآخرين بشكل قاسٍ وحادٍّ؛ فتراهم بلا مميِّزات، وفاقدين الخِصالَ والصفات الطيِّبة الحَسنة.
الانبهار الزائد بالآخرين يجعل رؤيتك عُنْصريةً بعيدةً عن الحقِّ والإنصاف، والأخطر منه حينما تسعى نحو تقليدهم فتصبح مَسْخًا مُشوَّهًا.
استفِدْ من خِصال الآخرين الحميدة، وتعلَّم منهم مع الحفاظ على ذاتك، واكتسِب من المهارات والسلوكيات ما يتناسب ويتوافق مع شخصيتك.
التقليل الزائد من شأن الآخرين قد يقُودُكَ إلى الكِبْر والعُجْب بنفسك؛ وما يوجد أسوأ من الكِبْر، ومِن ضرره عليك.
وإنْ رأيتَ سلبيَّات في الآخرين، فلا تتسرَّعْ في إصدار الأحكام عليهم، ونَقْدِهم بكُلِّ عُنْفٍ وقسوةٍ، يمكنك الدعاء لهم بالخير؛ فإن دعاءك يسمَعه الله، فسبحان الله المجيب السميع!
عليك بحَمْد الله عز وجل، وشُكْره شُكْرًا كثيرًا؛ لأنه عافاك من هذه السلبيات، وأتاح أمامك الفرصة؛ لترى السلوكيات المختلفة، ولتتعلَّم ما تتجنَّبه، وتبتعدَ عن سلوكه، لا لتنتقِدَه وتغترَّ، وتُعْجَبَ بنفسك.
التأمُّل والتفكُّر من المميزات العظيمة التي منحها الله عز وجل الإنسانَ؛ فأحْسِنْ استخدام هذه النِّعْمة يا ولدي بشكل ينفَعك، وينفع غيرَكَ، واحْذَر مراقبةَ سلوكيات الآخرين بهدف التعامُل معهم، وكأنهم حالات تُعاني الأمراضَ والعُقَدَ النفسيَّة، وتتوهَّم نفسَك مُحلِّلًا لهم.
كثيرًا ما ننشغل بالآخرين يا ولدي، وننسى أنفسَنا، فاحرِصْ دومًا على تطوير ذاتك وتزويدها بالعلم النافع، والعمل على نشره، واسعَ لتُصلِح نفسَك أولًا، ومن بعدها يمكنك تقديم يدِ العون لإصلاح الآخرين، فتترك أثرًا ينتفعون به؛ فهذا هو الأجدى، وهو ما ينبغي أن تسعى نحوه بخطواتٍ صابرةٍ.
اجتهد في تنوير نفسك، وإزالة ظلام الجهل عنها، وتخلَّصْ من السلبيَّات المصاحِبة لك التي انشغلْتَ عنها، وربما ظننتَ عدمَ وجودها، وتراها فقط فيمَن تَعْرِفهم.
الرؤية المنصفة باعتدال وبحقٍّ ليست يسيرةً، خاصة إن لم تَعْتَدْ عليها، فيَميل قلبُك إلى أشخاص وينجذِب إليهم، ويَرسُم لهم صورةً بلا أيَّةِ سلبياتٍ، وهذا محالٌ يا ولدي؛ فكلُّنا بشرٌ، والسلبيات وسُوء التصرُّف نتعرَّض لهما جميعًا، ولا يوجد مَن هو خالٍ من الخِصال القبيحة، ولكن قد يَعْمَى بصرُك عن رؤيتها، فلا تُمجِّد البشر، وتجعلهم ملائكةً، ولا تُقلِّل من شأنهم، وتراهم شياطين.
انتقِ ما يُفيدك ويَنفَعك، وتعلَّمْه، وابتعِدْ عن فِعل السلوكيات الضارَّة عليك، فلا تأخُذْها سبيلًا لك.