الوقت والمرأة
الوقت وعاء لكل عمل منتج، لذا يجب استغلاله بما يرضي الله، لا سيما وهو عمرنا المحدود الذي سنسأل عنه:
روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عنده ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. وماذا عمل فيما علم؟)).
وقال الحسن البصري رحمه الله: يا ابن آدم أما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.
أما ما نجده في حياتنا فالمتناقضات جمة:
(فلانة) تشكو من كثرة الأعباء وتزاحم الواجبات..
وشكواها المستمرة: ماذا أفعل؟ واجبات الزوج والأولاد تأخذ وقتي... والواجبات الاجتماعية تلاحقني... فمتى سأجد وقتًا للراحة من الأعباء الكثيرة؟!
و(علانة) تشكو من الفراغ القاتل، فلا عمل لديها لتعمله! (الطفش) يضيق صدرها والنوم يهيب بها ليخرجها من مأزق الفراغ!!
ناموا الضحى فمتى المكارم ترتجى إن كان من طلب المكارم نائمًا
حقًا متى ستقوم بواجباتها إذن؟!
ولو سئلت ماذا أعددت للقاء ربك؟!
لردت من وراء أجهزة الترفيه الحديثة بإجابات لا تخلو من التسويف... عندما أكبر سأعمل الصالحات أو أحج بعد أن أبلغ سن الأربعين و...
أوَما درت أن الشيطان يعشش في القلب الفارغ، وأن الفراغ مفسدة، يدفع للحسد والغيبة والشغل بالتوافه؟!
ورحم الله الإمام الشافعي إذ قال: ((إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل)).
أما القلب العامر بالإيمان فلا فراغ فيه.
وإضاعة الوقت كما ذكر ابن القيم رحمه الله : أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطع المرء عن الله والدار الآخرة. والموت يقطعه عن الدنيا وأهلها!
وأعظم الإضاعات كما ذكر إضاعتان هما أصل كل إضاعة:
إضاعة القلب، وإضاعة الوقت.
فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة. وإضاعة الوقت في طول الأمل. فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل، والصلاح كله في اتباع الهدى، والاستعداد للقاء الله)).
وفي واقع الأمة أمثلة كثيرة مؤلمة، منها:
• في أحد الأيام، وبعد انتهاء الدوام المدرسي، عادت البنت إلى البيت... وإزاء قرعات الباب المتوالية وما من مجيب... خرجت الجارة من بيتها فنادت الصغيرة...
لقد كان معها ورقة تشعر الأم بضرورة القدوم للمدرسة لمناقشة تأخر الطالبة عن قريناتها..!
كانت الأم لا زالت تغط في النوم العميق!!
إن كثرة النوم تضيع الوقت وتورث الغفلة. ولقد أيقظ رسولنا المربي عليه صلوات الله وسلامه، أيقظ ابنته وقد رآها يومًا متصبحة مضطجعة قائلًا: يا بنية قومي ولا تكوني من الغافلين.
ومن تحب الدعة وتوثر الراحة الموهومة لهي من أكثر الناس تهربًا من تحمل المسؤولية، وأكثرهن ضجرًا وبؤسًا!
فالنفس قد تضجر من الراحة كما تضجر من العناء. والفائزة هي من تشغل نفسها في كل وقت بما هو أولى به، وأنفع لها في معادها وتضن بوقتها أن يذهب في غير طاعة الله.
وقد قيل: من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أمله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه فقد عق يومه)). وما أكثر العاقات لأيامهن!!
إن من المظاهر المؤرقة التي غزت أسرنا: قلة الاكتراث بالأوقات فالأسرة الحديثة، يفترض أن يكون لديها الوقت الكافي لتحسن الاستفادة منه. وذلك لقلة الالتزامات وكثرة وسائل الراحة... لكن الواقع خلاف ذلك!
لقد جاءتنا أمراض الأمم المعاصرة. فالمرأة تنهض من فراشها بتثاقل، ومن ثم تشكو من تراكم الأعمال...
تمضي الساعات في التواصل في (الإنترنت)... ومن ثم فهي تجري وتجري ولا تجد الوقت (لراحتها المأمولة).. وتتساءل: أين يذهب الوقت ولا بركة فيه؟!
الفوضى تضرب أطنابها في بيتها وتعم كل مظاهر حياتها:
ففي العبادة تسوف وتبرر تقصيرها...
وفي واجباتها الاجتماعية لا تؤديها في حينها، أو هي سلبية حتى لأقرب الناس إليها! وفي بيتها الإهمال، وتتعلل بالأعذار وأنها مشغولة للغاية! حتى في مظهرها فثيابها غير لائقة.
فما الحل للتخلص مما يهدر الوقت؟
أولاً: لا بد من برنامج للعمل اليومي وخطة لنتبعها لنسلم من وباء الكسل والتسويف. نضبط وقت الاستيقاظ، ونؤكد على أوقات الصلوات والأعمال اليومية والوجبات والواجبات الاجتماعية والدعوية ومتابعة الأولاد... إلخ..
ونخطط جيدًا وبكل دقة وبراعة، نعرف ما سنفعل فنسعى إلى تحقيقه. وذلك دون استعجال النتائج... وبالصبر والاستعانة بالله نحصل على بغيتنا ونطور مهاراتنا ونحسن أسلوب حياتنا. فإن حسن التنظيم وعدم إهدار الوقت مما يساعد على العمل المنتج وتحقيق سعادة الأسرة.
والمرأة العاقلة الحكيمة تستفيد مهارات في إدارة الوقت:
فإن كانت مبتدئة في حياتها العملية فقد تدون ما نفذته من أعمالها، الأمر الذي يساعدها لمعرفة ما يلزمها عمله. وتتخلص مما يهدر الوقت من مكالمات تافهة ونحو ذلك. وتصبح بارعة في تدبير شؤون حياتها، مما يزيد من إنتاجها.
ولقد قيل لعمر عبد العزيز يومًا: (أخر عمل هذا اليوم وقم به غدًا).. فقال رحمه الله: لقد أعياني عمل يوم واحد. فكيف إذا اجتمع علي عمل يومين؟!
أوليس مؤسفًا أن يكون عطاء الأوروبي (7) ساعات يوميًا، بينما لا يتجاوز عطاء المسلم (30) دقيقة!!
واأسفاه! إن أمتنا بأسرها لتعاني من مغبة التسيب وإضاعة الأوقات، والذي تعيشه المرأة فضلًا عن الرجل.
فالواجب للاستفادة من الوقت كما ينبغي، ترتيب الأولويات، لتجعل الأمور التافهة أقل أهمية. نحسن التخطيط، وننفذ ما يمكن من مخططنا مع مرونة كافية، تجعلنا لا نشعر أننا مغلوب على أمرنا.
ثانيًا: علينا أن لا نجعل أمورنا تحت رحمة الآخرين وحسب أولوياتهم: فلا نركن إليهم يضيعون أوقاتنا ويعبثون بها، ولا نجعل المجاملات الاجتماعية ولو تافهة من أولى الأولويات. فإن من أكبر مضيعات الوقت الاستسلام للأمور العاجلة والطارئة التي يجدها الإنسان أمامه كل يوم. فهذا الاستسلام يسلب الإنسان فاعليته ويجعل وقته ملكًا لغيره).
أما من تهرع إلى الهاتف كلما سمعت رنينه لتمضي قرابة الساعة في ثرثرة لا طائل تحتها.. ثم لا تجد الوقت للقراءة، أو لإنجاز الأعمال المقررة.. أو لتطوير مهاراتها.. أو تشكو من احتراق الطعام أثناء المكالمة! فإن أول واجباتها أن:
• تتعلم الاعتذار وتتخلص بلباقة مما لا ضرورة له.
أنا لا أقول نتهرب من الآخرين، لكن لا يعني ذلك الرضوخ لرغبات الأخريات وإهدار وقتنا لكل من هب ودب.
فلنحدد أوقات الاتصال لتصبح بعيدة عن الأنشطة المهدرة للوقت..
أو لتقفل الموقد عند المكالمة الهامة، وتكون المكالمة بالقدر اللازم.
وكذلك الأمر في الزيارات التافهة أو السهر الطويل...
أما إنه لو طبقت الأولويات لاستراح الناس ولأسعدوا غيرهم...
ثالثًا: الاستعانة بالأخرين الأكفاء مما يوفر الوقت المناسب شريطة أن يكونوا أهلًا لذلك. فلا تعمل المرأة كل شاردة وواردة.
ولا تكلف نفسها بعمل يمكن لولدها الصغير أو للخادمة عمله. فتحسن توزع المسؤولية ليتحملها كل حسب طاقته.
أما أن يصل الهوس في العمل بالبعض حد الوسوسة، حيث تخشى المرأة تفويض أي مهمة إلى غيرها فتضيع وقتها في أعمال بسيطة، فذلك ينافي الحكمة المطلوبة.
هلا طورت نفسها وعودتها الأفضل؟!
إنها مديرة البيت، لا عاملة لكل ما فيه من أعمال...
مع التأكيد على أن طلب المساعدة إنما يكون بقدر الحاجة، تأسيًا بسلفنا الصالح:
عن أبي مسلم الخولاني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا تبايعون رسول الله؟!)).
قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟...
الحديث وفيه: ((ولا تسألوا الناس شيئًا)).
فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدًا يناوله إياه).
وبالخبرة والمراس تسير الأمور ببساطة وانسيابية. وبالتعاون المتبادل مع الآخرين تخف ضغوط الحياة، ولا يذهب الوقت أدراج الرياح.
رابعًا: سد منافذ الشيطان وذلك بصد أبواب النزاع والخلاف المهدر للطاقة والفكر والوقت.
فالشجار يعطل عن المهام الأهم وذلك في كل مجال من مجالات الحياة في الأسرة آكد وأوضح وأسوأ الوساوس ما كانت بين الأزواج، ولقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه. فأدناه منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا. ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته)).
فيدنيه ويقول: نعم أنت. فيلزمه. (رواه مسلم وغيره).
نعوذ بالله من شر الشياطين.
فتبذل جهدها لتبعد أسرتها عن كل نزاع، والأولى أن توصد أبواب الخلاف وذلك بالظن الحسن ما أمكن ذلك:
قال عمر رضي الله عنه: ((لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرًا وأنت تجد لها في الخير محملًا)).
وقال ابن مبارك رحمه الله: المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العثرات.
فالصبر والإحسان والظن الحسن تتآلف القلوب، وتستقيم أحوال الأسر وهي عمدة المجتمعات البشرية.
خامسًا: اعتبار الأحوال والأوقات في ترتيب الأولويات:
فنعمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته وهي كما ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله:
• الأفضل في وقت حضور الضيف مثلًا، القيام بحقه والاشتغال عن الورد المستحب وكذلك في أداء حق الزوجة (الزوج) والأهل.
• والأفضل في أوقات السحر: الاشتغال بالصلاة والقرآن والذكر والاستغفار.
• والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من ورده والاشتغال بإجابة المؤذن.
• والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجد والنصح في إيقاعها على أكمل وجه والمبادرة إليها في أول الوقت.
• والأفضل في ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال: الاشتغال بمساعدته، وإغاثة لهفته، وإيثار ذلك على أورادك.
• الأفضل في وقت قراءة القرآن: جمع القلب والهمة على تدبره وتفهمه حتى كأن الله تعالى يخاطبك به. فتجمع قلبك على فهمه وتدبره والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية من جاءه كتاب من السلطان بذلك.
• الأفضل في وقت الوقوف بعرفة: الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن لك.
• والأفضل في أيام عشر ذي الحجة: الإكثار من التعبد، لاسيما التكبير والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين.
• والأفضل في العشر الأخيرة من رمضان: لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف. دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم. حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء.
• والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته، عيادته وحضور جنازته وتشييعه.
• والأفضل في وقت النوازل وأذاة الناس لك: أداء واجب الصبر من خلطتك بهم دون التهرب منهم. فإن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه. والأفضل خلطتهم في الخير فهي خير من اعتزالهم فيه. واعتزالهم في الشر فهو أفضل من خلطتهم فيه. فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله، فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم.
فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه)).
ولقد قيل: من الغبن الفاحش تضييع الزمان فيما غيره الأهم.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: إيثار ما ليس بمهم على المهم، من تلبيس إبليس).