جاءت الشريعة الإسلامية تُعبِّد الخلق لله عز وجل، وتحرِّرهم من عبادة الهوى والشيطان، وقد أحلَّت هذه الشريعة الطيبات وحرَّمت الخبائث، إلا أن بعض الناس يأبون هذا التحريم ويُصرون على الولوج في الخبائث وترك الطيبات.
ومن أهم الخبائث التي حرَّمتها الشريعة ولعَنت مَن يتعاطاها أو يشارك فيها: شرب الخمور، ففي الحديث: (لعن اللهُ الخمرَ، وشارِبَها، وساقِيَها، وبائِعَها، ومُبْتَاعَهَا، وعاصرَهَا، ومُعْتَصِرَها، وحامِلَها، والمحمولَةَ إليهِ، وآكِلَ ثَمَنِها).
ويُعدُّ شرب الخمر من الكبائر، ومما يحبط الأعمال؛ حيث روى عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبْ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ)، قِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَمَا نَهْرُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: نَهْرٌ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ)؛ رواه أحمد والترمذي. فمن شرب الخمر حبِط من عمله ثوابُ صلاة أربعين يومًا.
إن شرب الخمور ظاهرة لا تزال تنتشر وتتزايد في بعض المجتمعات، فلمن تسوَّق كل هذه الخمور؟ ومن الذي يشربها؟ ألا يدل ذلك على أنه لا يزال بعض المسلمين يشربون أم الخبائث؟
أنا لن أتكلم عن الخطر الصحي للخمور، فهذا أمر يعرفه معظم الناس، ألا ترون أن المدخنين يعرفون خطر الدخان ومع ذلك تراهم مصرين على شربه؟ وإنما أريد تسليط الضوء على خطره الاجتماعي، فكثير من حالات الطلاق وتشتُّت الأولاد هو بسبب إدمان بعض الأزواج، فالذي يشرب الخمر ويغيبُ عقلَه يصبح بلا وعي؛ وقد يرتكب من الموبقات ما تقشعرُّ منه الأبدان، فقد يفعل السكران الفاحشة، وقد يتسبب في قتل أحد؛ لأنه أصبح بلا عقل، فالخمر هي أم الخبائث ومفتاح كل شر.
ما أسباب انتشار الخمور وكثرة تصنيعها؟
هناك ضَعف إيمان وعدم خوف من الله عز وجل، فالرادع لن يحل المشكلة، وإنما الذي سيحلها هو التربية الإيمانية والخوف من الله عز وجل.
أما المسلمون فحينما سمعوا قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91]، فإنهم قالوا: "انتهينا ربَّنا"، وحينما نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس أن الخمر حرِّمت، كانت سرعة الاستجابة عجيبة، فمن كان في يده كأس حطَّمها، ومن كان في فمه جرعة مجَّها، وشقَّت زقاق الخمر، وكسرت دِنانه، حتى سالت بعض طرق المدينة.
فهل يقول المدمنون عن الخمر: انتهينا؟
ومن شرب الخمر حبِط عنه ثواب صلاة أربعين يومًا، وليس ذلك فحسب، فإن مات ولم يتب منها حَرُمت عليه في الآخرة، فقد روى ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ)؛ رواه مسلم، وفي رواية عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ)؛ قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحْرَم شُرْبهَا فِي الْجَنَّة وَإِنْ دَخَلَهَا، فَإِنَّهَا مِنْ فَاخِر شَرَاب الْجَنَّة، فَيُمْنَعهَا هَذَا الْعَاصِي بِشُرْبِهَا فِي الدُّنْيَا، قِيلَ: إِنَّهُ يَنْسَى شَهْوَتهَا لِأَنَّ الْجَنَّة فِيهَا كُل مَا يَشْتَهِي، وَقِيلَ: لَا يَشْتَهِيهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا، وَيَكُون هَذَا نَقْص نَعِيم فِي حَقِّه تَمْيِيزًا بَيْنه وَبَيْن تَارِك شُرْبهَا؛ ا.هـ.
فتأمل كيف أن الله عز وجل حرَّم عليك شرابًا واحدًا، وأباح مئات الأصناف من الأشربة والعصائر، فلماذا تختار الحرام وتترك الحلال؟
مسكين ثم مسكين من شرب الخمر ومات ولم يتُب منها؛ لأنها ستحرم عليه في الجنة، بل سيُبعث كعابد وثنٍ، ويشرب من عرق أهل النار؛ حيث روى ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مُدْمِنُ الْخَمْرِ إِنْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ)؛ رواه أحمد.
ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا، لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: (عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ)، ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم: (لا تَشْرَبْ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ)؛ رواه ابن ماجه.