شموخ العراق نجم المنتدى
الأوسمة : عدد الرسائل : 4572 العمر : 30 الإقامة : العراق الدولة : الجنسية : تاريخ التسجيل : 27/01/2014 السٌّمعَة : 10
| موضوع: تفسير سورة الفتح 3 الخميس سبتمبر 24, 2020 8:51 pm | |
| ** هُمُ الّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مّؤْمِنَاتٌ لّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ مّعَرّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لّيُدْخِلَ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيّلُواْ لَعَذّبْنَا الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * إِذْ جَعَلَ الّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيّةَ حَمِيّةَ الْجَاهِلِيّةِ فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَىَ وَكَانُوَاْ أَحَقّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيماً يقول تعالى مخبراً عن الكفار من مشركي العرب من قريش, ومن ما لأهم على نصرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم {هم الذين كفرو} أي هم الكفار دون غيرهم {وصدوكم عن المسجد الحرام} أي أنتم أحق به وأنتم أهله في نفس الأمر {والهدي معكوفاً أن يبلغ محله} أي صدوا الهدي أن يصل وهذا من بغيهم وعنادهم, وكان الهدي سبعين بدنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى, وقوله عز وجل: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} أي بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم, لكنا سلطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل, ولهذا قال تعالى: {لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة} أي إثم وغرامة {بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء} أي يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين, وليرجع كثير منهم إلى الإسلام, ثم قال تبارك وتعالى: {لو تزيلو} أي لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم {لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليم} أي لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم قتلاً ذريعاً. قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج, حدثنا عبد الرحمن بن أبي عباد المكي, حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد مولى بني هاشم, حدثنا حجر بن خلف قال: سمعت عبد الله بن عوف يقول: سمعت جنيد بن سبع يقول: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار كافراً, وقاتلت معه آخر النهار مسلماً, وفينا نزلت {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} قال: كنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين, ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن عباد المكي به, وقال فيه عن أبي جمعة جنيد بن سبع فذكره, والصواب أبو جعفر حبيب بن سباع, ورواه ابن أبي حاتم من حديث حجر بن خلف به: قال: كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة, وفينا نزلت {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} وقال ابن أبي حاتم, حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري. حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة عن أبي حمزة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليم} يقول لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذاباً أليماً بقتلهم إياهم. وقوله عز وجل: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية} وذلك حين أبوا أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم, وأبوا أن يكتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى} وهي قول «لا إله إلا الله» كما قال ابن جرير وعبد الله بن الإمام أحمد. حدثنا الحسن بن قزعة أبو علي البصري حدثنا سفيان بن حبيب, حدثنا شعبة عن ثور عن أبيه عن الطفيل, يعني ابن أبي بن كعب عن أبيه رضي الله عنه, أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وألزمهم كلمة التقوى» قال «لا إله إلا الله» وكذا رواه الترمذي عن الحسن بن قزعة, وقال غريب لا نعرفه إلا من حديثه, وسألت أبا زرعة عنه فلم يعرفه إلا من هذا الوجه, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي, حدثنا عبد الله بن صالح, حدثني الليث, حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل» وأنزل الله في كتابه وذكر قوماً فقال: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} وقال الله جل ثناؤه: {وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهله} وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله, فاستكبروا عنها, واستكبر عنها المشركون يوم الحديبية فكاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية المدة, وكذا رواه بهذه الزيادات ابن جرير من حديث الزهري, والظاهر أنها مدرجة من كلام الزهري والله أعلم. وقال مجاهد: كلمة التقوى الإخلاص, وقال عطاء بن أبي رباح هي «لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير» وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور {وألزمهم كلمة التقوى} قال «لا إله إلا الله وحده لا شريك له» وقال الثوري عن سلمة بن كهيل عن عباية بن ربعي عن علي رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قال: «لا إله إلا الله والله اكبر} وكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى} قال: يقول شهادة أن لا إله إلا الله وهي رأس كل تقوى, وقال سعيد بن جبير {وألزمهم كلمة التقوى} قال «لا إله إلا الله والجهاد في سبيله» وقال عطاء الخراساني هي «لا إله إلا الله محمد رسول الله} وقال عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري {وألزمهم كلمة التقوى} قال «بسم الله الرحمن الرحيم». وقال قتادة {وألزمهم كلمة التقوى} قال «لا إله إلا الله» {وكانوا أحق بها وأهله} كان المسلمون أحق بها وكانوا أهلها {وكان الله بكل شيء عليم} أي هو عليم بمن يستحق الخير ممن يستحق الشر, وقد قال النسائي: حدثنا إبراهيم بن سعيد, حدثنا شبابة بن سوار عن أبي رزين عن عبد الله بن العلاء بن نوير عن بشر بن عبد الله عن أبي إدريس عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يقرأ {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية} ولو حميتم كما حَمَوا لفسد المسجد الحرام, فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأغلظ له فقال إنك لتعلم أني كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمني مما علمه الله تعالى, فقال عمر رضي الله عنه: بل أنت رجل عندك علم وقرآن, فاقرأ وعلم مما علمك الله تعالى ورسوله.
وهذا ذكر الأحاديث الواردة في قصة الحديبية وقصة الصلح قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري عن عروة بن الزبير, عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً, وساق معه الهدي سبعين بدنة, وكان الناس سبعمائة رجل, فكانت كل بدنة عن عشرة, وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريش, قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل, قد لبست جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوة أبداً, وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب, ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس ؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا, وإن أظهرني الله تعالى دخلوا في الإسلام وهم وافرون, وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة, فماذا تظن قريش فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهرني الله عز وجل أو تنفرد هذه السالفة» ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة, قال فسلك بالجيش تلك الطريق, فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم, ركضوا راجعين إلى قريش, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته فقال الناس خلأت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت وما ذلك لها بخلق, ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة, والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها». ثم قال صلى الله عليه وسلم للناس: «انزلوا» قالوا: يا رسول الله ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس, فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه, فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه فيه, فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن. فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة, فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان, فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد صلى الله عليه وسلم, إن محمداً لم يأْت لقتال إنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحقه, فاتهموهم. قال محمد بن إسحاق: قال الزهري وكانت خزاعة في عيبة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, مشركها ومسلمها لا يخفون على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئاً كان بمكة, فقالوا: وإن كان إنما جاء لذلك فوالله لا يدخلها أبداً علينا عنوة, ولا يتحدث بذلك العرب, ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص أحد بني عامر بن لؤي, فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هذا رجل غادر» فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, كلمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنحو مما تكلم مع أصحابه, ثم رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكناني, وهو يومئذ سيد الأحابيش, فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي» فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله, رجع ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى فقال: يا معشر قريش لقد رأيت ما لا يحل صد الهدي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس على محله, قالوا: اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك. فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي فقال: يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ, وقد عرفتم أنكم والد وأنا ولد, وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين يديه فقال: يا محمد جمعت أوباش الناس ثم جئت بهم لبيضتك لنقضها, إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل, قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوة أبداً, وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً, قال وأبو بكر رضي الله عنه قاعد خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: امصص بظر اللات أنحن ننكشف عنه ؟ قال من هذا يا محمد ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «هذا ابن أبي قحافة «قال: أما والله لو لا يد كانت لك عندي لكافأتك بها, ولكن هذه بها, ثم تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديد, قال: فقرع يده ثم قال أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل والله أن لا تصل إليك قال ويحك ما أفظك وأغلظك! فتبسم رسول الله قال: من هذا يا محمد ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة» قال: أغدر, وهل غسلت سوأتك إلابالأمس ؟ قال: فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما كلم به أصحابه, وأخبره بأنه لم يأت يريد حرباً. قال فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ وضوءاً إلا ابتدروه, ولا يبصق بصاقاً إلا ابتدروه, ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه, فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما, والله ما رأيت ملكاً قط مثل محمد صلى الله عليه وسلم في أصحابه, ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً فروا رأيكم. قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة, وحمله على جمل له يقال له الثعلب, فلما دخل مكة عقرت به قريش وأرادوا قتل خراش, فمنعتهم الأحابيش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعا عمر رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي وليس بها من بني عدي أحد يمنعني. وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها, ولكن أدلك على رجل هو أعز مني بها عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال: فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبعثه يخبرهم أنه لم يأت لحرب أحد, وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته, فخرج عثمان رضي الله عنه حتى أتى مكة, فلقيه أبان بن سعيد بن العاص, فنزل عن دابته وحمله بين يديه أردفه خلفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فانطلق عثمان رضي الله عنه حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش, فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به, فقالوا لعثمان رضي الله عنه: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به, فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: واحتبسته قريش عندها قال: وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان رضي الله عنه قد قتل. قال محمد: فحدثني الزهري أن قريشاً بعثوا سهيل بن عمرو وقالوا: ائت محمداً فصالحه ولا تلن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا, فوالله لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبداً, فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل». فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, تكلما وأطالا الكلام وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح, فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب, وثب عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فأتى أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر أوليس برسول الله ؟ أولسنا بالمسلمين ؟ أوليسوا بالمشركين ؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا عمر الزم غرزه حيث كان فإني أشهد أنه رسول الله. فقال عمر رضي الله عنه: وأنا أشهد, ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أولسنا بالمسلمين ؟ أوليسوا بالمشركين ؟ قال صلى الله عليه وسلم «بلى» قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني» ثم قال عمر رضي الله عنه: ما زلت أصوم وأصلي وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ, حتى رجوت أن يكون خيراً. قال: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: اكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» فقال سهيل: لا أعرف هذا, ولكن اكتب: باسمك اللهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتب باسمك اللهم. هذا ما صالح عليه محمد رسول الله} فقال له سهيل بن عمرو: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك, ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين, يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض, على أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بغير إذن وليه رده عليه, ومن أتى قريشاً ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا أسلال ولا أغلال. وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب: أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه, ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه, فتواثبت خزاعة فقالوا, نحن في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده, وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم, وأنك ترجع عنا عامنا هذا فلا تدخل علينا مكة, وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك وأقمت بها ثلاثاً, معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب إذ جاءه أبو جندل بن سهيل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه, دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا. فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه قال: يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال «صدقت» فقام إليه فأخذ بتلابيبه قال وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني ؟ قال فزاد الناس شراً إلى ما بهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله تعالى جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً, فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهداً وإنا لن نغدر بهم». قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فجعل يمشي مع أبي جندل, ويقول اصبر أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب, قال: ويدني قائم السيف منه, قال يقول: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه. قال: فضن الرجل بأبيه, قال ونفذت القضية, فلما فرغا من الكتاب, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل, قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس انحروا واحلقو} قال: فما قام أحد, قال ثم عاد صلى الله عليه وسلم بمثلها, فما قام رجل, ثم عاد صلى الله عليه وسلم بمثلها فما قام رجل, فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة رضي الله عنها فقال «يا أم سلمة ما شأن الناس ؟» قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما رأيت, فلا تكلمن منهم إنساناً واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق, فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحداً حتى إذا أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق, قال: فقام الناس ينحرون ويحلقون, حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق نزلت سورة الفتح, هكذا ساقه أحمد من هذا الوجه, وهكذا رواه يونس بن بكير وزياد البكائي عن أبي إسحاق بنحوه وفيه إغراب. وقد رواه أيضاً عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به نحوه, وخالفه في أشياء, وقد رواه البخاري رحمه الله في صحيحه فساقه سياقة حسنة مطولة بزيادات جيدة, فقال في كتاب الشروط من صحيحه: حدثنا عبد الله بن محمد, حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم, يصدق كل واحد منهم حديث صاحبه, قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه, فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة, وبعث عيناً له من خزاعة وسار, حتى إذا كان بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال: إن قريشاً قد جمعوا لك جموعاً وقد جمعوا لك الأحابيش, وهم مقاتلوك وصادوك ومانعوك. فقال صلى الله عليه وسلم: «أشيروا أيها الناس علي, أترون أن نميل على عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت ؟» وفي لفظ: «أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوهم, فإن يأتونا كان الله قد قطع عنقاً من المشركين, وإلا تركناهم محزونين», وفي لفظ «فإن قعدوا قعدوا موتورين مجهودين محرونين, وإن نجوا يكن عنقاً قطعها الله عز وجل. أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه».
اشكر اخي iraqi عالتوقيع الرائع | |
|