شاعر الحلم العربي

سليمان العيسى . ..

شاعر الحلم العربي



سليمان العيسى ...... اسم لا ينسى ..... وهل تنسى الأمة العربية أبناءها البررة؟ كان صوته يصل إلينا على صفحات الصحف وعبر ذرات الأثير بعدما نعمت البلاد بشمس الاستقلال منذ فجر الجلاء,يغني أفراح الأمة العربية وآلامها.

نعم لقد كان الشاعر سليمان العيسى يصلنا داوياً قوياً هادراً,فكنا نرى-نحن الطلاب- فيه ذواتنا من ثورة وأمل بالغد المشرق للأمة العربية.

وفي جلسة لصاحب المقال مع الشاعر سليمان العيسى....... أبدى الشاعر تواضعاً وقال:بأنه شاعر الحلم العربي ... وأنّه نذر نفسه منذ شبابه حتى النفس الأخير من حياته لتحقيق هذا الحلم رغم معرفته المسبقة بأن تحقيقه من الصعوبة بمكان:

كنا نحلم ...

أنّا سوف نهزّ الشمس

فتسقط في أرض الفقراء

بيادر من قمح وغلال

********

كنا نحلم

ثم قبضنا يوماً بعض الضّوء

لتنسف فيه أصابعنا

ولنعرف أنّ الحلم محال

والشاعر سليمان العيسى شاعر النضال العربي, وحادي قافلة العروبة:

ألقيت عند الإعصار روحي

وسقيت من قلبي جروحي

أنا لست أغنية الهوى

بل صرخة الأمل الذبيح

ومما زاد من توهج نضال الشاعر سليمان العيسى الوطني والقومي انسلاخ لواء ((الاسكنرونة)) عن الوطن الأم,وإلحاقه بتركيا ظلماً وإجحافاً بالحقّ العربي, فكان ذلك مأساة عربية وقعت على نفوس أبناء الأمة العربية الأحرار وبخاصة أبناء اللواء السليب الذين تشردوا وقلوبهم تملؤها الحسرة والألم على ثرى الأجداد .... المضاع:

الصادقون يتامى في مدينتنا

في جيلنا,يمضغون الليل والألما



لذا كان من الطبيعي أن يكون شعر الشاعر سليمان العيسى صوت أمته العربية التي أصابتها مأساة اللواء السليب حيث قال مظهراً طبيعة شعره:

أنا في أعماق قومي صرخة تتشظى لا قصيد يقرأ

ونمضي مع الشاعر الملتهب حماساً حيث نسمع صرخته تنتثر شظايا مقفاة:

أنا ما نظمت الشعر بل

ذوبت رنات القيود

وعصفت إذ هتف الهوى

ناراً على شفة الجليد

ويمتزج الألم عند الشاعر سليمان العيسى مع لهو ومتع الشباب في حبّ الحياة ..... فيستعذب ذلك المزيج المتفجر جمراً ولهيباً وشواظاً ؟ إنّه الألم الخلّاق كما يقول:

أقفلت أنفاسي على جمرة

لفاحة.... تلهب ما تلهب

ورحت أستعذب آلامها

والألم الخلاق يستعذب

ويحمل الشاعر سليمان العيسى ذلك الثالوث المقدس متحدياً فيه الفناء من موت الأمة العربية :

أمة الفتح لن تموت وإني

أتحداك باسمها يا فناء

ولا يكتفي الشاعر بنضاله بالشعر فحسب, بل ليحسب نفسه قذائف بركان يتفجر في حشد أعداء الأمة العربية وذلك قمة النضال والتضحية فقال:

أنا لو أنني خلقت جماداً

كنت أولى قذائف البركان

وفي الفاتح من"نوفمبر" تشرن الثاني لعام 1954 يهب الشعب العربي الجزائري ثورة عارمة, ويسقط الشهداء فيها بالمئات في كلّ يوم , ويهز الحدث العظيم الشاعر سليمان العيسى فيتغنى فيه ويتمنى أن يكون مع الثوار في الأوراس وقسطنطينة وفي كل مكان تطلق منه رصاصة ضد المستعمر الفرنسي الغاشم فيقول:

روعة الجرح فوق ما يحمل

اللفظ,ويقوى عليه إصرار شاعر

أأغني هديرها, والسماوات

صــلاة لجرحــــــها ومجـــــامر

ما عساني أقــول؟والشاعر

الرشاش,والمدفع الخطيب الهادر

فوق شعري,وفوق معجزة

الألحان هذا الذي تخط الجزائر

وفي فصل الربيع,فصل الورد والرياحين,في الثاني والعشرين من نيسان لعام 1955م , يسقط الشهيد العقيد الركن عدنان المالكي اغتيالاً وتهز هذه الفاجعة الشاعر سليمان العيسى .كيف لا والشهيد المالكي كان نبراساً وعلماً في الشجاعة والوطنية, حيث كان جهاده في فلسطين عام 1948م فأصابته شظية في رأسه فلم تقضِ عليهِ حيث كان يتمنى أن يستشهد على تراب فلسطين لذا بكاه كل أبناء الوطن رجالاً ونساءً شيوخاً وأطفالاً ولا أدل على ذلك من حشود المواطنين الذين رافقوه إلى مثواه الأخير, ومن حفلات التأبين التي أقيمت للشهيد عدنان المالكي في ذكرى رحيله فيقول:

رعشة في شاطئ الملعب شدت قدميا

وتلمست على الضفة نسراً عربيا

وشباباً يملأ الدنيا ...ووجهاً ومحيا !

وهوى الصمت,ورف المرج كالأمس نديا

يا دم الثورة.... لم تخمد كما شاؤوا طريا!

أنت باق ما انتفضنا.... ما صفعنا الظلم ...... حيا

نعم إنهم الشهداء باقون في ضمير أبناء شعبهم ومحبيهم, وهم خالدون في جنة الخلد..........

أبداً أيها الشاعر لا تخش على بلاد فيها أبطال نذروا دماءهم فداء أمتهم العربية ..........

لقد أظهرت معركة القناة وبور سعيد الوحدة العربية في أروع صورها, حيث أثبتت أنّ المعركة معركة العرب جميعاً وليست معركة شعب مصر وحده, حيث قام العمال السوريون بقطع البترول عن دول العدوان تجاوباً للوقفة الشجاعة لأبناء الشعب المصري الشقيق البطل ورئيسه الراحل جمال عبدالناصر مما مهد للتقارب بين الأقطار العربية والقطر المصري العربي الشقيق إيزاناً ببزوغ فجر الوحدة المنشودة , يقول الشاعر سليمان العيسى:

أنا في الشام , استقي من جراح

الضاد لحناً مضرج الأوتار

وثبتي وثبة العروبة لارو

ضي يطيق الدجى,ولا أطياري

لي على النيل مارد عربي

وحياة تمور كالإعصار

لي جمالٌ,وبور سعيد ولي شع

بي,ودمي يا عاصفات جداري

ويتوج نضال أبناء الأمة العربية بوحدة رائدة بين القطرين العربيين الشقيقين (مصر وسورية) في الثاني والعشرين من شهر شباط لعام 1958م

ويتغنى الشاعر الثائر سليمان العيسى في عيد الوحدة الوليدة في المهرجان الكبير الذي أقامه نادي ضباط حلب احتفالاً بمولد الجمهورية العربية المتحدة فيقول :

يا ليالي الضياع,والقيد,زولي

نحن باقون وحدة لا تزولا

وحدة..... تلهم الكواكب مسراها

وتمشي في القفر ظلاً ظليلا

وحدة.... في السماء والأرض منها

لهب يغسل الأذى والدخيلا

وحدة.... تفجر الينابيع في الكون

فراتاً يسقي العطاش ونيلا

وللقطر العراقي الشقيق وعاصمته بغداد مكانة خاصة عند شاعرنا سليمان العيسى حيث شرب من ماء نهري دجلة والفرات أثناء دراسته في المعهد العالي للمعلمين مع الشاعرين بدر شاكر السيّاب وعبد الوهاب البياتي في مطلع الأربعينات من القرن الماضي لذا ما إن قامت ثورة الرابع عشر من تموز لعام 1958م لتهدم أركان الملكية والرجعية حتى غنى لهذه الثورة,معبراً عن حنينه واشتياقه لـ(بغداد) ومن فيها من أحبة, فيقول :

شدي على قبل العناق

شدي,فلن يروى اشتياقي

ظمئي كغلتــك الرهيـــ

ـبة واحتراقك,كاحــتراقــــي

غيبي معي في قبــلة

نصـهر بهــا أبـــد الفــــراق

وكان الأمل من هذه الثورة أن ترفد دولة الوحدة بقطر ثالث,ولكن ذلك لم يحصل,وتمضي الأيام بحلوها ومرها ,وفي السادس من تشرين الأول لعام1973م حيث بدأت صفحة جديدة من التاريخ,وبفضل هذه الحرب استطاع الشاعر سليمان العيسى أن يسترد أنفاسه وأن يحقق في دنيا الواقع بعضاً مما نادى به في الماضي ....فراح يناجيها بفرح أن تمتد حتى تأتي على كل شرور الماضي وآ لامه فقال: من قصيدة (فرسان تشرين):

على أقدامنا سقط المحال

وأورقت الرجولة والرجال

كتائب من ترابك يا بلادي

نبتنا من صمودك ما نزال

إلى أن يقول:

ربطنا الخندقين فلا اغتراب

بتاريخ السيوف,ولا انفصال

وكان على مسيرتنا المثنى

تقدست القرابة والخصال

ينام الدهر عنها...ثم يصحو

على تشرين..فالدهر اشتعال

ولبيناك يا تَشرين....سائل

تلال النار.... تذكرنا التلال

نعم لقد ردّ يوم السادس من تَشرين اعبارنا أمام العالم أجمع,ونسخ كلّ النظريات,والنظرات الاستخفافية التي نُسجت حول الأمة العربية وأعاد تأكيد وجودهم إنسانياً

وقد نظم الشاعر سليمان في حرب تَشرين عام 1973م كثيراً من القصائد الحماسية, وقال من قصيدة( الشجرة ) المهداة إلى الطفل مهند بن عدنان الحاج خضر :

أبوكَ من هذي البروق الخضر يا صغير

أبوكَ في النفير

يمزق السحاب فوق صهوة الجواد

الأسمران: الفارس الطيّار والجواد

وتزعق النيران

وترتمي ثوان

على الثرى ندية بالدم

وغرسة مخضوبة بالدم

مفصولة عن الجسد

منثورة على حدود الكبد والجلد

في أرضنا .... يشكها أبوك

شجرة رائعة.. يوزعها أبوك

لتنبت الأبطال والربيع والقمر

ويقول من قصيدة الخالدون التي ألقاها على مدرج جامعة دمشق بعد أشهر قليلة من حرب تَشرين وبحضور ذوي الشهداء:



ناداهم البرق... فاجتازوه وانهمروا

عند الشهيد... تلاقى اللّه والبشر

ناداهم الموت... فاختاروه أغنيةً

خضراء ما مسها عود ولا وتر

تقدس المطر المجدول صاعقة

وزنبقاً يا شموخ الأرض يا مطر

ولا يزال الشاعر سليمان العيسى يواكب مسيرة الأمة العربية بإبداعاته الرائعة مغنياً أفراحها مواسياً شهداءها . ها هو يقول من قصيدة (من قبة النسر):

يا شام... في الجنوب لي جناح

في صخرة المعراج لي جناح

ومن دم الأطفال في قانا

سأبقى شبحاً يصارع الرياح

يحلم.... من قال بأنّ الحلم قد ألقى

لصمت الأبد السلاح؟



وعود على بدء فإن الشاعر سليمان العيسى شاعر الحلم العربي,وحادي قافلتها المظفرة....

أمد الله بعمره .

-أحمد سعيد هواش-

أهلاً منورة

شكراً على المرور الراقي

تحياتي لك يا غالية

موضوع رائع دام لنا ابداعك

يسلموا

شكرا لكم جميعا